:: كل المقالات ::

Tue, 13 Dec 2016

بروين اعتصامي "شاعرة المجتمع"

بسم الله الرحمن الرحيم
هل تخيلتم ذات مرة بصلا و ثوما في عراك حول الرائحة الكريهة ؟
" هاجم الثوم البصل يوما ، فقال : يا مسكين رائحتك كريهة !
اجابه : عن عيبك غافل ! لذلك تبحث عن عيوب الاخرين ! "
هل سمعتم حوارا بين النخج و اللوبيـاء ؟
"سألت نخجة اللوبيا لماذا انا دائرية و انت طويل ؟
اجابها : كلنا مصيرنا الطبخ ..! اصنعي مع الزمن ! "
و لا يخفى على القارئ الى ماذا تشير الشاعرة بروين اعتصامي التي يجمح بها الخيال كثيرا في ابيات شعرها فتأتي بصور غير مالوفة و مناظر مبتكرة . لتناهض الواقع الاليم بالترميز و الاشارة !
من اهم اسباب تفوق الشاعرة و ابداعها وجود والدها الذي كان خير راع و ناصح لها . و كان يلقب باعتصام الملك فهو في حد ذاته شخصية علمية مرموقة يجيد الفارسية و التركية و العربية و الفرنسية و مدير لاحدى المجلات و اول من اسس دارا للطباعة في تبريز .
بدأت كتابة الشعر في سنتها السابعة و العجيب ان النقاد يعتبرون ان افضل اشعارها غالبا هي الاشعار التي قالتها و هي بين السابعة و الرابعة عشر !
و لا عجب حيث في اوائل عمرها انغمست في القراءة و لم تكمل السابعة و حفظت اشعار كل من : فردوسي ، نظامي ، مولوي ، ناصر خسرو ، منوجهري ، انوري و فرخي .
من اهم قصائدها في هذا العمر :
- الذهب و الحجارة
-دموع اليتيم
-الطفل الطموح
- السعي و العمل
- حكمي
- الام
- حسرة الفقر
الجميل ان والدها كان لديه مجلس يحضره جمع من الادباء امثال "علي اكبر دهخدا" و "ملك الشعراء بهار" و "عباس اقبال" و "سعيد نفيسي" و "نصر الله تقوى" و كان يحضر ابنته الصغيرة في حضور هؤلاء الادباء لتلقي قصائدها .. فكانوا يستحسنون شعرها لدرجة ان "شهريار" كتب فيها قصيدة طويلة ، يقول فيها:
به راستي كه يكي از نوابغ ادب است
ميان شاعره ها تا كنون نظيرش نيست !
و يمكننا ان نترجم هذا البيت الى معنى قريب من " بحق هي من نوابغ الادب ، لم نر مثيلا لها بين الشاعرات."
بعد تخرجها كان لها دور ناشط في المطالبة بحقوق المراة التعليمية و الاجتماعية . و اما ما ورد عن اخلاقها فهذا شيء جدير بالتأمل :
" كانت ذات دين طاهرة عفيفة ذات اخلاق . عطوفة على اصدقائها و متواضعة . لا تتكلم الا قليلا و تتأمل كثيرا . لا تتكلم عن فضائلها الادبية و الاخلاقية و انجازاتها ابدا ." و فعلا مع 5000 بيت في ديوانها لم تتكلم عن نفسها الا في موطن واحد .
لاقى ديوانها رواجا و استقبالا كبيرا بين اوساط المجتمع و كتب عنه شعراء ايران مثل دهخدا و العلامة القزويني .
الاجمل هنا انها رفضت ميدالية الامتياز التي قدمتها لها الدولة بل رفضت عرض الشاه نفسه في ان تدرس ولي العهد ! لان ذلك بنظرها خيانة للشعب المظلوم .
توفيت الشاعرة بعد وفاة والدها بأربع سنوات فقد كانت متعلقة به بشكل عظيم و باتت متأثرة لفراقه تعالج المرض الى ان توفيت عن عمر ناهز الثالثة و الاربعين .
و يبقى السؤال لماذا بقيت اشعار رخشنــده – اسمها الاصلي – خالدة تطبع مرارا و تكرارا ؟
يمكن عزيزي القارئ ان تختار من هذه الاجابات:
لانها اشعار تصف حالة المجتمع و شقائه و الامه.
لانها اشعار مناهضة للظلم و الظالمين معادية للمستكبرين.
لانها اشعار مفعمة بالحركة تتكلم فيها الجمادات ، بل و تجلس مع البشر على كرسي المناظرة!
لانها اشعار تتكلم عن دموع اليتيم و دماء الكادحين .
لانها اشعار تحث على الاخلاق من شاعرة جسدت الاخلاق .
لانها اشعار مليئة بالحكمة من شاعرة متاملة.
لانها اشعار مليئة بالقصص الهادفة.
لانها اشعار سهلة بعيدة عن التكلف خرجت من القلب لتسكن في القلب.

و الحمد لله رب العالمين