:: كل المقالات ::

Fri, 19 Jul 2019

وداعا كويلو

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما قرأت "هيبي" ثم "الخيمائي" و اخيرا "الحج" أخذني الاندفاع فاستعرت رواية اخرى لكويلو تتناول موضوعا حساساً يعرفها عشاق هذا الكاتب و لكني لن اذكر اسمها هنا لاحتوائها على المشاهد المخلة . عندما دخلت المكتبة لاستعارة هذه الرواية سألني أمين المكتبة عن سبب رغبتي في قراءة شيء كهذا فأجبته ان الكاتب كويلو و احب ان اعرف كيف سيتناول هذا الموضوع فوافقني ان كويلو سيتناول الموضوع من زاوية اخلاقية كما هو المتوقع من كاتب ذي ميول روحانية .
مع الاسف هذه الراوية فشلت فشلا ذريعا على كل المستويات فلا قصة و لا حبكة و لا عمق في الشخصيات و لا محتوى بل هراء و تكرار و مشاهد مخلة ثم هراء و تكرار و مشاهد مخلة و هكذا الى حوالي 280 صفحة. لقد ابتذل كويلو نفسه كثيرا بهذه الرواية و قد وجدت الكثير من القراء كتبوا عن الخيبة التي اصيبوا بها . الحمد لله ان الرواية كانت مستعارة فتوقفت عن القراءة بعد ان جاوزت ثلثي الرواية تقريبا و عرفت لاحقا ان الكثير من القراء الذين يحترمون عقولهم توقفوا عن القراءة قبل نهايتها . ليس المهم الان ان اكتب عن هذه الرواية و لماذا جعلتني اتوقف عن قراءة كويلو و لربما جعلتني اتوقف عن عالم الروايات كليا بل اريد مناقشة نقطة اثارها كويلو في هذه الرواية بل اثارها في مجمل اعماله .

تحقيق الاسطورة الشخصية :

يمكن اختصار رسالة باولو كويلو التي يحاول ايصالها في مجمل اعماله بأنها دعوة لان يحقق كل فرد من البشر اسطورته الشخصية او بعبارة اخرى ان كل انسان لديه قَدَر او قل اسطورة تناديه لكي يحققها و لكن اغلب البشر غارقون في غفلة و سبات بسبب الروتين و البيئة المحيطة بهم ، فتراهم يرضون بالاقل و بالوظائف الرتيبة و يتقوقعون داخل بيئتهم الامنة خوفا من تجربة اي شيء قد يستلزم خطرا يهدد الامان الذي اعتادوا عليه . و اذا سألنا كويلو و كيف نحقق اسطورتنا فسيجيب بمطاردة احلامنا فاذا كنت تحلم بأن تصبح كاتبا فعليك ان تحاول تحقيق حلمك و لا تقنع بتلك الوظيفة الرتيبة التي تمتص منك روحك .
الكلام جميل و لكن المشكلة ان السيد كويلو متفائل جدا برسالته فكونه نجح في ان يصبح الكاتب الاكثر مبيعا لا يعني ان كل البشر ممن يتمنى ان يصبح كاتبا سينجح في ذلك . هذا يذكرني بما يعرف بثقافة الـ انتروبنير في عالم التقنية فهناك الكثير ممن يدعون الى ان يستقل الفرد و ينشئ شركته بنفسه بدلا من العمل تحت مظلة شركة كبيرة و لكن هم بهذا يتغافلون ان تطور الامور الى نظام الشركات كان تطورا طبيعيا و عفويا نتيجة الانفجار السكاني و التضخم في القرن الاخير . هذا لا يعني ان نظام الكوربرت هو النظام الصحيح الخالي من العيوب و لكن هل البديل هو ان ينشئ كل شخص تجارته و شركته ؟ بطبيعة الحال هذا غير ممكن في الظروف الحالية فعليه لربما الافضل معالجة عيوب بيئة الكوربرت و ترميمها .
قد يقال و ما المشكلة من مجرد الدعوة للايجابية و التفكير في تحقيق الاحلام ؟ أقول ان اغلب الناس من الذين يعملون في وظائف متعبة او في شركات كبيرة هم في حالة ارتباط صعب و ازمة لا يمكن فكاكها بمجرد التمني فاذا كانت الحالة هكذا فان مجرد ترديد قصة تحقيق الاحلام و الاساطير انما يزيد حالة النفور من الوضع الذي يعيشه الفرد و الحال انه عاجز عن التغيير في النهاية . الحالة اشبه بشخص يشاهد المناظر الطبيعية و المعالم التاريخية في مدن العالم و لكنه لا يملك المال لكي يسافر الى اي منها فهل يستفيد شيئا غير التحسر ؟ هذا من جهة و من جهة اخرى قد تكون حياة الكوربرت و غيرها مناسبة لنمط معيشة شخص ما فلماذا علينا ان نصورها بأنها غير مناسبة لكل البشر و ان هناك نوعا معينا من الحياة يجب ان يحلم به كل شخص ؟
ثم سؤالي اذا كان كويلو و امثاله يتشدقون و يدعون الى النظر الى الحياة بمنظار جديد يركز على البساطة لكي نجد المتعة مع كل زهرة و كل قطرة ماء و ما الى ذلك فلماذا لا نبدا من النهاية اعني ليتعلم الناس الرضا و القناعة و الاستمتاع بما لديهم فلماذا السعي نحو خلق تجارب معينة و الوصول الى اساطير خاصة ؟ بعبارة اخرى ما الذي يجعل كويلو يقول عن رجل سافر حول العالم و اصبح كاتبا مشهورا باعماله انه رجل حقق اسطورته و لا يقول ذات الكلام عن امراة عاشت في قرية بهدوء و سكينة ثم انجبت اطفالا و قامت برعايتهم و تعليمهم ؟ و هذا عينه ما نواجهه هذه الايام في مجتمعنا من الدفع الشديد باتجاه عمل المراة و كأن المراة مثلا لا يمكن ان تحقق ذاتها الا بالعمل في وظيفة كزوجها . او لنقل مثلا رجل عاش كل عمره حياة بسيطة في مزرعته بين اولاده و احفاده و لكنه لم يخرج من المدينة حتى مرة واحدة ، هل نقول ان هذا الرجل لم يحقق اسطورته ؟ بناء على ما ورد في رواية الخيميائي يجب ان نعتبر هذا الرجل المسكين رجلا لم يحقق اسطورته .
و لماذا تحقيق الاسطورة دائما يستلزم التغيير عند كويلو ؟ لماذا لا تتحقق الاسطورة بالروتين و الامور المعتادة الطبيعية ؟ لماذا النمطية تعتبر قاتلة للاحلام ؟ ما هو الامر السحري في التغيير ؟ هل شخص قضى عمره كله في مجال معين يحتاج الى ان يغير مساره بعد منتصف العمر من اجل التغيير ؟ لماذا يعتبر القفز من الطائرة بالباراشوت تجربة فريدة تعطي معنى لحياة امراة لم تعرف معنى الحياة مع كونها متزوجة برجل مليونير يحبها و تحبه و لديها منه طفلين و تعيش في اجمل مدن العالم و لديها وظيفة تحسد عليها ؟
ثم لماذا كل هذا التركيز على موضوع السعادة و جعلها غاية نسعى لها دائما؟ و هل السعادة تعطي معنى للحياة اكثر من الشقاء مثلا ؟ اسئلة و تناقضات كثيرة احتوتها هذه الرواية و لكن كويلو قدم لها تفاسير سطحية و لم يعالج عمق المشكلة و ارجو من كويلو ان لا يكتب رواية من منظار امراة مرة اخرى لانه لم يهن المراة فحسب بل اهان عقلية من يقرأ له بهذه السيناريوهات السطحية و المونولوجات الساذجة و المشاهد المبتذلة و البعيدة كل البعد عن الواقع . واقعا اتعجب من النسويات و دعاة حقوق المراة لماذا لم يهاجموا هذه الرواية و كاتبها كما هي عادتهم ؟

على كل حال وداعا كويلو .


دمتم في الرضا ،